من رئيسة الحكومة
إلى السيدات والسادة الوزراء وكتاب الدولة ورؤساء الهياكل والولاة ورؤساء البرامج
الموضوع: إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024
الملاحق
- هيكلة المشروع السنوي للأداء لسنة 2024.
- هيكلة مشروع ميزانية المهمات حسب الأداء.
وبعد، لقد مرّ الوضع الاقتصادي في تونس بصعوبات كبيرة نتيجة توالي الأزمات أولها الأزمة الصحية العالمية في بداية سنة 2020 والمتمثلة في جائحة كوفيد 19 ثم انعكاسات الحرب الروسية - الأوكرانية التي اندلعت في مطلع سنة 2022 علاوة على تواصل سنوات الجفاف وندرة الموارد المائية على المستوى الوطني التي زادت الأوضاع الاقتصادية تأزما.
وبالرغم من ذلك فقد أبدى الاقتصاد التّونسي مرونة ملحوظة بعد مرور سنتين على الجائحة الصحية، وشهد بداية التعافي من آثارها حيث بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.3% في موفي سنة 2021 بعد الانكماش غير المسبوق الذي بلغ مستوى 8.6 % في سنة 2020 ، كما تراجع عجز الميزانية بحوالي نقطة ونصف ليبلغ 7.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2021 مقابل 9.4% مسجّل في سنة 2020.
وبالرغم من المؤشرات الإيجابية وتسجيل بوادر انتعاشة خلال الأشهر الأولى من سنة 2022، فإن تأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية عرقلت التعافي وأصابت الآفاق الاقتصادية العالمية بانتكاسة حادّة خلفت إرباكا على إمدادات القمح والطاقة على المستوى العالمي وأفرزت ضغوطات تضخّمية غير مسبوقة أدّت إلى مراجعة آفاق الاقتصاد العالمي والتخفيض في تقديرات النمو في جلّ بلدان العالم. كما أنّ العوامل المناخية أثرت على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالإنتاج الفلاحي حيث أدت حالة الجفاف إلى تراجع مساحات البذر ومستويات الانتاج وإلى فقدان عدد من مواطن الشغل وتفاقم عجز الميزان التجاري وارتفاع تكاليف الواردات الغذائية والأعلاف، مما انعكس سلبا على تزويد السوق ومستوى الأسعار لدى المنتج والمستهلك.
كل هذه العوامل أدت إلى تفاقم مواطن الضعف الهيكلية لمنوال التنمية في بلادنا في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة حيث تأثرت التوازنات العامة سلبا بالأساس نتيجة ارتفاع كلفة الدعم والتي بلغت مستوى 8.3% من الناتج الإجمالي سنة 2022 مما أدى إلى مزيد إثقال كاهل ميزانية الدولة وتعميق العجز ليبلغ %7.6% من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2022، إضافة إلى التقليص من النفقات الاستثمارية الدافعة للنمو. كما نتج عن هذه الأزمة تدهور عجز الميزان التجاري وضغوطات متزايدة على أسعار الصرف وارتفاع كلفة التداين وخدمة الدّين العمومي بنسبة فائدة متغيّرة في ظل تراجع الترقيم السيادي لتونس مما أدى إلى تفاقم مستوى الدين العمومي الذي بلغ 79.4% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2022.
وفي هذا الإطار المتّسم بالضبابية وعدم الاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي واعتبارا للرهانات الوطنية خاصة فيما يتعلق بتوفير مواطن الشغل وتنمية الجهات الداخلية والاحاطة بالفئات الهشة من جهة ودعم تنافسية الاقتصاد الوطني وقدرته على الصمود من جهة أخرى، انطلقت الحكومة خلال سنة 2022 في إرساء خطة على المدى القصير والمتوسط تنبني على رؤية استراتيجيّة تمكّن من ضبط سياسات لمعالجة الانكماش الاقتصادي واستعادة الديناميكية المرجوة للحفاظ على التوازنات الكبرى للاقتصاد وللماليّة العمومية.
وتتمثل أولويات وأهداف هذه الرؤية الإستراتيجية فيما يلي:
- تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام يضمن العدالة الاجتماعية ويحقق المساواة للجميع نساء ورجالا ومراعي للتغييرات المناخية.
- تحسين مناخ الأعمال وإعادة الثقة مع شركاء تونس بما يوفر أرضية ملائمة لاستقطاب المستثمرين الأجانب.
- ذتسريع نسق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الملائمة بهدف ضمان نسق نمو إيجابي ودائم والمحافظة على توازنات المالية العمومية من خلال التحكم في عجز الميزانية ونسبة المديونية.
- إرساء الإصلاحات الجبائية الضرورية لإضفاء مزيد من النّجاعة الاقتصادية والمالية وتكريس مبادئ العدالة الجبائية.
- مساندة الفئات الاجتماعية الهشة واستكمال إصلاح منظومة الدعم والعمل على توجيهه نحو مستحقيه الفعليين. تحسين حوكمة إدارة القطاع العام.
- مواصلة استحثاث المجهودات لتبنّى منوال تنمية يعتمد الاتجاه التدريجي نحو الاقتصاد الأخضر بتشجيع الاستثمار في الطاقات البديلة والنظيفة لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر.
- العمل على تطويع وتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على مجابهة مختلف الأزمات للتقليص من تداعياتها وآثارها السلبية ضمانا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
- بلورة إجراءات عملية تتجه نحو تطوير الاقتصاد الأزرق باعتباره يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية، ومكافحة التلوث البحري بشتى أنواعه، بهدف الحفاظ على التوازن البيئي في البحار والمناطق الساحلية الذي من شأنه أن يساهم في تكوين الثروة وإحداث فرص الشغل وضمان ديمومة الموارد الطبيعية.
وعلى هذا الأساس، فإنّ مشروع قانون المالية لسنة 2024 يهدف إلى تنفيذ المرحلة الأولى من أهداف المخطط الرابع عشر ومواصلة تجسيم الإصلاحات المضمنة في البرنامج الوطني للفترة 2023-2026 باعتباره يتضمن معالجة واقعية للصعوبات المالية من خلال العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحكم التدريجي في التوازنات المالية والمحافظة على استدامة المالية العمومية من خلال مواصلة إصلاح المنظومة الجبائية ومنظومة الدعم والوظيفة العمومية وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وتحديث القطاع العمومي ودفع الاستثمار باعتباره المحرك الأساسي لتحقيق النمو الاقتصادي وسيرتكز مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 بالأساس على مزيد إضفاء النّجاعة والفاعلية وترشيد النفقات وحسن توجيهها خاصة لدعم النفقات ذات البعد التنموي والاستثماري أساسا بالمناطق ذات الأولوية بما يساهم في عودة النمو وخلق مواطن الشغل وإسداء أفضل الخدمات لفائدة المواطنين ومواصلة دعم الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود. ولبلوغ كل هذه الأهداف، يتعيّن اتباع المنهجية التالية:
- منهجية إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024
يندرج إعداد مشروع قانون المالية وميزانية الدولة ضمن المقتضيات والصيغ التي وردت بالقانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 والمتعلق بالقانون الأساسي للميزانية.
ويجدر التذكير في هذا السياق أن هيكلة ميزانية الدولة ترتكز على مهمات وبرامج وبرامج فرعية وأنشطة وتضبط لكل برنامج استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار الالتزامات الوطنية والدولية بما في ذلك المتعلقة بتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال بكافة اختلافاتهم وتحدّد لها أولويات وأهداف ومؤشرات أداء.
وقصد إعطاء رؤية واضحة على المدى المتوسط لقيادة البرامج ولضمان ديمومة ميزانية الدولة، يتعين على كافة الوزارات والهياكل المعنية تقديم مشاريع ميزانياتها باعتماد أهداف المخطط الرابع عشر وتوزيعها حسب البرامج وذلك بتحيين إطار النفقات متوسط المدى 2024-2026 وإعطاء الأولوية للنفقات الإلزامية والوجوبية السابقة والمشاريع المتواصلة والقرارات والإجراءات الحكومية المعلن عنها. كما يتعين العمل على ربط الاعتمادات المطلوبة بنتائج أداء البرامج التي تضمنتها المشاريع السنوية للأداء.
واستنادا لما تقدم، فإن إعداد تقديرات سنة 2024 يتم بناء على الإجراءات التالية: