احدث القوانين

>

أ. العمل التشريعي

قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بتاريخ 22 ديسمبر 2015 المتعلق بمشروع قانون المالية لسنة 2016 (مقتطفات)

باسم الشعب،

أصدرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين القرار الآتي نصّه :

إنّ الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين،

بعد الاطّلاع على الدّستور،

وعلى القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين،

وعلى القرار الجمهوري عدد 89 لسنة 2014 المؤرخ في 22 أفريل 2014 المتعلّق بتعيين أعضاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين،

وعلى مشروع قانون المالية لسنة 2016،

وعلى عريضة الطّعن في قانون الماليّة لسنة 2016 التي تقدّم بها مجموعة من النّواب بمجلس نوّاب الشّعب

(…)

وقد تضمّنت العريضة طلب التصريح بعدم دستورية الفصول 60، 61، 64 … من مشروع قانون المالية لسنة 2016 لمخالفتها أحكام الدّستور أو عدم التلاؤم معها، وقد نعى الطّاعنون على الفصول المذكورة :

(…)

رابعا : عدم دستورية الفصل 60، ناعين عليه خرقه :

  1. الفصل 15 من الدستور بمقولة أنّ تركيبة لجان المصالحة تضمّ المطالب بالأداء وهو ما يتناقض مع هذا الفصل من الدستور الذي ينصّ على أنّ الإدارة العمومية تعمل وفق مبادئ الحياد وقواعد الشفافية، ويذهب الطّاعنون إلى أنّ المطالب بالأداء صاحب الملفّ يجب أن يحضر أعمال اللجنة ولكن لا يمكن أن يكون عضوا فيها ويشارك في أشغالها ومداولاتها والتصويت وهذا الأمر ينطبق على اللّجان الجهوية للمصالحة مثلما ينطبق على تركيبة اللّجنة الوطنية للمصالحة.
  2. الفصل 65 من الدستور بحجّة التعدّي على مجال اختصاص القوانين بإسناد ضبط طرق عمل لجان المصالحة إلى أمر حكومي وهو ما يتعارض مع نصّ هذا الفصل من الدستور الذي يقتضي أن تتّخذ شكل قوانين عاديّة النّصوص المتعلّقة بضبط قاعدة الأداءات والمساهمات وضبط إجراءات استخلاصها.

خامسا : عدم دستورية الفصل 61 ناعين عليه تكريس حالة من التمييز بين المطالبين بالأداء بتنصيصه على إمكانية توقيف تنفيذ قرار التوظيف الإجـــباري بدفع 10 % من أصل الأداء المستوجب أو تقديم ضمان بنكي بـ 15 % من نفس المبلغ إذ لاشيئ يبرّر هذا التمييز الذي حجّره الدّستور في فصليه العاشر والحادي والعشرين اللذين أكّدا على المساواة والعدل والإنصاف.

سادسا : عدم دستورية الفصل 64 وينعى الطّاعنون على هذا الفصل تضمّنه مواضيع لا تتعلّق مباشرة بالميزانية رغم انعكاساتها المالية المحتملة، ويعيبون عليه:

  1. خرق أحكام الفصل 66 من الدستور الذي ينص على أن القانون يرخص في موارد الدولة وتكاليفها حسب الشروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية وحيث أن هذا الفصل المطعون في دستوريته يهدف إلى تمتيع المخالفين لقانون الصرف بعفو كما يهدف إلى تنظيم أحكام ذلك العفو وشروطه وإجراءاته بسن قواعد خاصة تستثني المتمتعين به من الأحكام الواردة بمجلة الصرف والتجارة الخارجية.

إضافة إلى أن العفو في مادة الصرف والجباية مجال مخصوص ينظم بقانون منفرد مثلما عمد إليه المشرع بتنظيم هذا الموضوع صلب القانون عدد 41 لسنة 2007 المؤرخ في 25 جوان 2007 ولم يقحمه في أحكام قانون المالية، كما أنه وبغض النظر عما يمكن أن يثيره العفو في مادة الصرف من إشكالات دستورية، فانعدام الصلة بين أحكـام الفقرات 1 مطة أ ومطة ب والفقرة 2 والفقرة 3 والفقرة 4 والفقرة 5 من الفصل 64 المطعون فيه وبين أحكام الفصلين الأول و 29 من القانون الأساسي للميزانية تصيره مخالفا لأحكام الفصل 66 من الدستور في فقرتيه الأولى والثانية وذلك عملا بفقه القضاء الدستوري الذي أكد على عدم جواز إدراج أحكام لا تتصل مباشرة بموارد الدولة وتكاليفها في مشروع قانون المالية والتي اصطلح على تسميتها في الفقه القانوني بـ “فرسان الميزانية” إذ اعتبرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في قرارها عدد 08/2014 الصادر في 22 ديسمبر 2014 المتعلق بقانون المالية لسنة 2015 أنه لا متسع لإيواء الفصول التي لا علاقة لها بالموارد المنصوص عليها بالفصلين 1 و 29 من القانون الأساسي للميزانية في مجال قانون المالية باعتبارها مخالفة لأحكام الفصل 66 من الدستور في فقرتيه الأولى والثانية، كما أن المجلس الدستوري (سابقا) انتهى إلى اعتماد نظرية فرسان الميزانية بشأن بعض الأحكام من قانون المالية لسنة 2005 في رأيه عدد ق ـ م 43 ـ 2004 بتاريخ 5/11/2004 وردّ مشروع قانون المالية الذي تضمن أحكاما تتعلق بالمساهمات العينية المقدمة لإحداث شركة أمٌ في إطار تجمع شركات في رأيه عدد 71 ـ 2005 المؤرخ في 19/10/2005، ويضاف إلى هذا حذف أحكام تتعلق بالمالية الإسلامية من مشروع قانون المالية لسنة 2011 لنفس السبب، ويخلص الطاعنون إلى أنه لا متسع لحشر الفصل 64 المطعون في دستوريته في مجال قانون المالية لكونه لا يتجانس مع طبيعة أحكام قانون الصرف ويعدّ تطويحا به عن محيطه وبيئته فيكون بذلك خارقا لأحكام الفصل 66 من الدستور.

  1. مخالفة الفصل 65 من الدستور وخرق قاعدة علوية القوانين الأساسية على القوانين العادية:

بمقولة أن مضمون الفصل 64 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 جاء مجتثا بالكامل من مشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي والمصادق عليه من قبل مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 14 جويلية 2015 والمحال على مكتب ضبط مجلس نواب الشعب بتاريخ 16 جويلية 2015، ويقر الفصل 12 من هذا المشروع بكونه من صنف القوانين الأساسية لتضمنه تنصيصا بإلغاء “جميع الأحكام المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام الواردة بالقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية”، لذلك فإن أحكام الفصلين 7 و 8 من مشروع قانون المصالحة المشار إليه منقولة حرفيا إلى الفصل 64 من مشروع قانون المالية الحالي فلا يرقى شك في كونها سواء شكليا أو موضوعيا تعد من قبيل الأحكام التي تدخل ضمن العدالة الانتقالية المنظمة بدورها صلب قانون أساسي، وأن إقحام مواد وأحكام تعود لمجالات القوانين الأساسية صلب قانون عادي يعد مخالفا لأحكام الفصل 65 من الدستور باعتبار ان قوانين المالية وبموجب أحكام هذا الفصل من الدستور في المطة الأخيرة من فقرته الأولى تعد من صنف القوانين العادية فلا يمكن حينئذ تضمينها أحكاما تعود من حيث طبيعتها أو بحكم سبق تنظيمها صلب قانون أساسي لعلوية القوانين الأساسية على القوانين العادية موضوعيا وإجرائيا مما يتجه معه التصريح بعدم دستورية الفصل 64 من مشروع قانون المالية المطعون فيه.

  1. خرق النظام العام الدستوري :

بمقولة أن المخالفات التي شملها العفو صلب الفصل 64 المطعون في دستوريته هي من ممارسات وأفعال الفساد التي ارتكبت في الفترات السابقة لتاريخ غرة جانفي 2016 والتي نظم التشريع الجاري به العمل والصادر بعد الثورة كيفية التعاطي معه وكشفه وتصفية آثاره ومعاملة مرتكبيه ويوكل هذا التشريع صلب المرسوم عدد 120 لسنة 2011 المؤرخ في 14 نوفمبر 2011 المتعلق بمكافحة الفساد في البند الخامس من فصله الثالث عشر إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “إبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة بمكافحة الفساد”. وكذلك صلب الفصل 43 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بالعدالة الانتقالية إلى هيئة الحقيقة والكرامة مهمة صياغة التوصيات والاقتراحات التي تتعلق سواء “بتجنب العودة إلى القمع والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وسوء التصرف في المال العام أو تقديم المقترحات المتعلقة بإصلاح المؤسسات المتورطة في الفساد والانتهاكات” وأنه لا أثر لرأي استشاري لكلا الهيئتين المومى إليهما بالمرسوم عدد 120 والقانون الأساسي عدد 53 مما يجعل إقحام الفصل 64 ضمن أحكام قانون المالية دون استشارة هذين الهيئتين خرقا جسيما لإجراء دستوري يقتضيه النظام العام الدستوري والذي انتهت إليه الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في قرارها عدد 02/2015 بتاريخ 08 جوان 2015 من اعتبار عدم التحقق من وقوع احترام إجراء تلقي الرأي الاستشاري خرق للدستور لكون عدم التغاضي عن وجوب التحقق من وقوع احترام هذا الإجراء الأساسي (تلقي الرأي الاستشاري) من موجبات النظام العام الدستوري الموجب للاحترام.

  1. عدم ملاءمته لمبدأ النظام الجمهوري التشاركي المكرس بتوطئة الدستور :

بمقولة أن اتصال مضمون الفصل 64 من مشروع قانون المالية بالعفو على أفعال تتصل بشكل مباشر بالفساد وتدخل في مجال العدالة الانتقالية دون توافق عريض ودون استشارة الهيآت القانونية المختصة بمكافحة الفساد والعدالة الانتقالية يجعل منه غير ملائم مع ما ورد بتوطئة الدستور التي تكرّس بوضوح مبدأ وقيمة أساسية يقوم عليها الدستور وهي “النظام الجمهوري الديمقراطي التشاركي” وهو ما يتعارض مع تمرير هذا الفصل والتصويت عليه من قبل الأغلبية الحاكمة والغياب الكامل لنواب المعارضة الذين يعلنون صراحة عدم الموافقة عليه رغم الطابع الخلافي الحادّ لمضمونه وانعدام القبول به لدى كل المكوّنات السياسيّة والاجتماعية والجمعياتية بما في ذلك الرأي الصادر عن لجنة البندقية عدد 818 ـ 2015 بتاريخ 27/10/2015 المتعلق بمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية وتحديدا في الفقرة 52 منه تذكير بأن أي إجراء يتعلق بمنظومة العدالة الانتقالية ـ وهو حال أحكام الفصل 64 المطعون فيه ـ يفترض توافقا عريضا.

  1. عدم ملاءمته لمبدأ القطع مع الفساد المنصوص عليه بالتوطئة :

وذلك بمقولة أن من أبجديّات القطع مع الفساد محاسبة مرتكبيه وكشف حقائقه ووقائعه ومحو آثاره وأن ذلك من متعلقات العدالة الانتقالية في المجال الاقتصادي والمالي حسب ما ذهبت إليه لجنة البندقية صلب رأيها المشار إليه آنفا كما أن ما تضمنه الفصل 64 والإجراءات المعتمدة في إقحامه صلب قانون المالية لسنة 2016 يتضارب مع المبدأ الذي تكرسه توطئة الدستور في القطع مع الظلم والحيف والفساد.

(…)

وبعد الاطلاع على مكتوب الردّ المقدم من مجموعة من النواب بمجلس نواب الشعب والوارد به تقديم ملاحظات بخصوص الطعن في بعض أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2016 والمرسم بكتابة الهيئة بتاريخ 19 ديسمبر 2015 ، والمتضمن أن الطعن يعد معيبا قانونا وغير وجيه من حيث المطاعن المثارة صلبه بحجة أن القضاء الدستوري درج على التأويل الضيق للمطاعن في حدود ما تمسك به الطاعنون وأن أغلب المطاعن الواردة بعريضة الطعن تتسم بطابع مجرد لا يبين الصلة بين المطعن وخرق فصول الدستور وهو ما يكون من الوجيه ردها باعتماد على ما يلي :

(…)

4) عن المطعن المأخوذ من مخالفة الفصل 60 من مشروع قانون المالية 2016 لأحكام الفصلين 15 و 65 من الدستور :

‌أ- عن فرع المطعن المتعلّق بمخالفة الفصل 15 من الدستور: إن بانضمام المطالب بالأداء لتركيبة لجان المصالحة ليس من شأنه المس بقواعد ومبادئ الحياد والشفافية لأنّ هذه اللّجان تعوّض الصّلح القضائي الذي كان يعتبر حضور المطالب بالأداء ووجوده ركنا أساسيا في عملية الصّلح الجبائي، إضافة إلى أنّ الفصلين 118 و 120 لم يمنحا هذا الأخير صفة العضو باللّجنة بل مكّناه من ضمانة تخوّل له الإدلاء بأوجه دفاعه والاستماع إلى موقف أعضاء اللّجنة تكريسا لمبدأ الشفافية المنصوص عليه بالفصل 16 وهو ما يقتضي انضمامه الآلي إلى أعمالها.

‌ب- عن فرع المطعن المتعلّق بمخالفة أحكام الفصل 65 من الدستور: خلافا لما ذهب إليه الطاعنون فإن الإحالة إلى الأمر الحكومي لا تتعلق بضبط قاعدة الأداءات والمساهمات وبضبط استخلاصها وإنما تقتصر فقط على ضبط طرق عمل لجان المصالحة وهو موضوع لا يدخل ضمن مجال القانون المحدد بالفصل 65 من الدستور وفضلا عن ذلك فقد أوكل الفصل 92 مطة 3 إلى رئيس الحكومة إحداث أو تعديل أو حذف المصالح الإدارية وضبط اختصاصها وصلاحياتها.

5) عن المطعن المأخوذ من مخالفة الفصل 61 من مشروع قانون المالية 2016 لأحكام الفصلين 10 و 21 من الدستور : إنّ الفصل 61 في تمكينه كافّة المطالبين بالأداء بمختلف أصنافهم من اختيار إحدى الصّيغتين في توقيف تنفيذ قرار التوظيف الإجباري كرّس مبادئ العدل والإنصاف واحترم مبدأ المساواة ما يجعل أحكام هذا الفصل المطعون فيه مطابقة لأحكام الدستور وخاصّة للفصلين 10 و 21 منه.

6) عن المطعن المأخوذ من مخالفة الفصل 64 من مشروع قانون 2016 لأحكام الدستور: إن صعوبة الظرف الاقتصادي الذي تمرّ به البلاد بتراجع مؤشرات التنمية ونفاذ المدّخرات من العملة الصّعبة وصعوبة التداين وتأثير الإرهاب على مناخ الاستثمار، إضافة إلى تعمّد العديد من المتعاملين الاقتصاديين المقيمين إلى عدم إرجاع محاصيلهم من الصّادرات ورصدها ببنوك أجنبية واقتناء عقارات خارج البلاد مرتكبين بذلك مخالفات صرف على معنى التشريع الجاري به العمل، وقد تمّ إعداد هذا الفصل استئناسا ببعض التجارب المقارنة في مجال العفو في مخالفات الصّرف والتي مكّنت عديد الدول من تعبئة موارد هامّة دون تكاليف وذلك مع مراعاة ضوابط القانون المتعلّق بمقاومة تبييض الأموال والتأكيد على حصر مجاله في التحويلات البنكيّة دون سواها وهو ما سيمكّن البلاد من انطلاقة اقتصادية جديدة في أفق مخطّط خماسي جديد من شأنه أن يمكّن من تقليص نسب الفقر والبطالة في البلاد.

‌أ- عن فرع المطعن المتعلّق بمخالفة أحكام الفصل 66 : يذكر القائمون بالردّ أنه تمّت الإجابة عليه بمناسبة الرّدّ على الطّعن في الفصل 46.

‌ب- عن فرع المطعن المتعلّق بخرق قاعدة علويّة القوانين الأساسية على القوانين العادية : فأنّه طالما أنّ أحكام الفصل 64 تتعلّق بالعفو عن مخالفات الصّرف موضوع مجلّة الصّرف فإنّها تندرج بحكم موضوعها ضمن مادّة العفو العام وعلى صلة وثيقة بضبط قاعدة الأداءات ونسبها وإجراءات استخلاصها وهي مواد تتّخذ شكل قانون عادي تطبيقا للمطّتين 6 و 7 من الفقرة الأولى للفصل 65 من الدّستور، وهو الموقف الذي انتهى إليه المجلس الدستوري في الرأي عدد 23/2007 ما يجعل الطّعن للأسباب التي بني عليها مردودا وفي غير محلّه.

‌ج- عن فرع المطعن المأخوذ من خرق الفصل 64 من مشروع قانون المالية 2016 للنظام العام الدستوري : إنّ استشارة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الحقيقة والكرامة لا تجد لها ما يسيغها ضرورة أنّ الفصل 12 من مرسوم مكافحة الفساد ينصّ على تولّي الهيئة المكلّفة بذلك بإبداء رأيها في النّصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة بمكافحة الفساد وهو ما لا يتوفّر في نصّ الفصل 64، كما أنّ توجّه الطّاعنين إلى وجوب اعتماد رأي هيئة الحقيقة والكرامة ليس له سبيل ضرورة أنّ قانون العدالة الانتقالية لم يستوجب أخذ رأيها بشأن النصوص المتعلّقة بمخالفة تراتيب الصّرف بل أوكل لها صياغة توصيات ومقترحات تتعلّق بالإصلاحات التي تراها لتجنّب العودة إلى الاستبداد والعفو في مخالفات الصّرف لا يؤول إلى عدم تتبع ما يكون قد اقترفه مرتكبها من أفعال مجرّمة بقوانين أخرى.

‌د- عن فرعي المطعن المتعلّقين بخرق مبدأ النظام الجمهوري التشاركي ومبدأ القطع مع الظّلم والفساد الواردين بتوطئة الدّستور فإن رأي لجنة البندقية يقتصر على الأحكام المضمّنة بمشروع قانون المصالحة الاقتصادية ذات العلاقة بالجوانب المؤسساتية وتأثيرها على ولاية هيئة الحقيقة والكرامة ولم يتطرّق بتاتا إلى الأحكام المتعلّقة بالعفو عن مخالفات الصّرف.

‌ه- في مخالفة مبدأ النظام الجمهوري التشاركي : إنّ الدّستور أخضع أعمال السّلطة التشريعية في مجال سنّ القوانين لإجراءات وضوابط الأغلبية الواجب توفّرها لكل صنف من القوانين وهو ما تمّ احترامه في هذا الفصل موضوع الطعن لكونها تمّت وفق الإجراءات المنصوص عليها بالدستور والنظام الدّاخلي للمجلس، وأنّ ما ذهب إليه الطاعنون يؤسّس إلى قاعدة جديدة في التصويت تخالف أحكام الدّستور وتتجافى ومبدأ التشاركية وتضرب في العمق جوهر النظام الجمهوري.

‌و- في خرق مبدأ القطع مع الظّلم والفساد : ينحصر الفصل 64 في حدود العفو عن مخالفات الصرف ولا يمتد إلى العفو عن جرائم أخرى، وعليه فهو لا يمسّ من مبدأ القطع مع الظّلم والحيف والفساد الوارد بتوطئة الدستور.

(….)

وبناء على كل ما تقدّم يطلب القائمون بالردّ رفض الطعن في عدم دستورية الفصول المطعون فيها لمطابقتها لأحكام الدستور.

وبعد المداولة القانونية، صرح بما يلي :

من ناحية الشكل
:

حيث استوفى الطعن الماثل جميع مقوماته الشكلية وفق الإجراءات المنصوص عليها بالفصلين 18 و 19 و20 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وبالتالي فهو حري بالقبول من هذه الناحية.

من ناحية الأصل
:

  • عن المطعنين المأخوذين من عدم دستورية الفصلين 47 و 61 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 لوحدة القول فيهما :

حيث أن المطعنين المؤسس أولهما على الإخلال بمبدإ المساواة والعدل والإنصاف مثلما أكدته أحكام الفصلين العاشر والحادي والعشرين من الدستور إضافة إلى أن هذا المنحى فيه إهدار لموارد الخزينة لتخويله المؤسسات الاقتصادية الاسترجاع الآلي والحيني لفائض الآداء على القيمة المضافة وللمعاليم الأخرى المستوجبة على رقم المعاملات الموظفة لفائدة الصناديق الخاصة في الخزينة. وثانيهما إمكانية توقيف تنفيذ قرار التوظيف الإجباري بدفع 10 % من أصل الأداء المستوجب أو تقديم ضمان بنكي بــ 15 % من نفس المبلغ. لا يقومان على أساس قويم باعتبار أن أحكام الفصلين 47 و 61 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 تنطبق على كل من يوجد في نفس الوضعية ويستجيب لفرضيتهما متى توفرت الشروط الواجب مراعاتها في الغرضين المذكورين وتعين على هذا الأساس رد الطعن فيهما.

(…)

  • عن المطعن المتعلق بخرق الفصل 60 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 للفصل 15 من الدستور.

حيث تمسك الطاعنون بمخالفة الفصل 60 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 لأحكام الفصل 15 من الدستور بمقولة أن عضوية المطالب بالأداء في لجان المصالحة الواقع إحداثها تتنافى مع مبدأ الحياد وقاعدة الشفافية باعتبار أنه يشارك في أشغالها ومداولاتها والتصويت علاوة على أن ضبط طرق عمل لجان المصالحة يتم بمقتضى أمر حكومي يعدّ تعديا على مجال القانون.

وحيث أن صفة المطالب بالأداء بحكم طبيعتها تتجافى فعلا ووضعه كعضو بلجان المصالحة لما في ذلك من مساس بمبدأ الحياد الذي يقتضي ألا يشارك من له مصلحة في شأن يعنيه وتعين من هذا المنظور قبول هذا الفرع من الطعن ورفضه فيما زاد على ذلك، بناء على جواز إتخاذ أوامر تطبيقية في هذا المجال طالما أنها لم تتدخل في مجال القانون.

(…)

  • عن المطعن المستمد من عدم دستورية الفصل 64 من مشروع قانون المالية لسنة 2016. عن الفرع المتعلق بمخالفة الفصل 64 للفصل 65 من الدستور وخرق قاعدة علوية القوانين الأساسية على القوانين العادية.

حيث دفع الطاعنون بأن إقحام مواد وأحكام تعود لمجالات القوانين الأساسية صلب قانون عادي يعد مخالفا لأحكام الفصل 65 من الدستور وخرقا واضحا لمبدأ هرمية القواعد القانونية.

وحيث تضمنت الفقرة التاسعة من الفصل 148 من الدستور أن الدولة تلتزم بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها. ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن.

وحيث سبق وأن صدر قانون أساسي عدد 53 لسنة 2013 بتاريخ 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها وورود بالفقرة الثانية من الفصل 48 منه أنه تنظر لجنة التحكيم والمصالحة في مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي.

وحيث إن ورود الفصل 64 بمشروع قانون المالية لسنة 2016 بصيغة مطلقة تجعله مستوعبا لمناط القانون الأساسي للعدالة الانتقالية المذكور آنفا باعتبار أن مخالفات الصرف موضوع العفو المنصوص عليه بهذا الفصل يرد أن تتصل بمكاسب يمكن أن يتأتى مصدرها من انتهاكات تتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام وتدخل بالتالي تحت طائلة أحكام القانون الأساسي السالف الذكر وخاصة الفصل 45 منه والذي لا يستقيم تعديله بقانون المالية لكونه قانونا عاديا احتراما لمبدأ توازي الشكليات الواجب مراعاته بمناسبة تعديل القوانين عند الاقتضاء حسب دلالة الفصل 64 من الدستور مما يتجه معه قبول هذا الفرع من المطعن لمخالفته للدستور من هذه الناحية وذلك بغض النظر عن بقية الفروع الأخرى لانعدام جدواها في ضوء ما تقدم بيانه.

(…)

ولهـــذه الأسباب

وعملا بأحكام الفصلين 20 و 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 قضت الهيئة بقبول الطعن شكلا وفي الأصل بعدم دستورية الفصول 46 و 59 و 60 و 64 و 85 وفصلها من مشروع قانون المالية لسنة 2016 وإحالتها لرئيس الجمهورية لعرضها على مجلس نواب الشعب للتداول فيها ثانية وختمه لمشروع قانون المالية فيما زاد على ذلك.

وقد صدر هذا القرار بتاريخ 22 ديسمبر 2015 بمقر الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بباردو برئاسة السيد خالد العياري وعضوية السادة محمد فوزي بن حماد وعبد اللطيف الخراط وسامي الجربي ولطفي طرشونة والسيدة ليلى الشيخاوي.

صنف النص:قرار
تاريخ النص:2015-12-22
الوزارة / الهيكل:الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين
حالة النص:ساري المفعول
عدد الرائد الرسمي:103
تاريخ الرائد الرسمي:2015-12-25
الصفحة الأولى من الرائد الرسمي:3544 - 3556

لا يوجد نصوص مرتبطة بهذا النص

إعلان هام! إطلاق تصميم جديد لقواعد البيانات القانونية لدى DCAF.

يسرنا أن نُعلن عن إطلاق تصميمنا الجديد لقواعد بياناتنا القانونية كجزء من التزامنا بخدمة مستخدمينا الكرام. يأتي هذا التحديث بتحسينات متعددة، تتضمن واجهة سلسة وسهلة الاستخدام وتحسينات في الوظائف لجعل الوصول إلى المعلومات أمراً سهلاً.

نحن مسرورون لنقدم هذا التحسين الجديد، ونؤكد التزامنا بتقديم أفضل خدمة لكم. نعبر عن شكرنا العميق لثقتكم المستمرة بنا.