احدث القوانين

>

أ. المجلس الأعلى للقضاء / الهيئة الوقتية للقضاء العدلي

قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 1 لسنة 2017 بتاريخ 11 أفريل 2017 المتعلق بمشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء

باسـم الشعـب

إنّ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين،

بعــد الاطّلاع علـى الدّستور وخاصّــة الفصول 2، 20، 21، 49، 93، 102، 108، 109، 112، 113، 116 و148 منه،

وعلى القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 والمتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين وخاصّة الفصول 13 و18 و19 و20 و21 منه،

وعلى القـــــرار الجمهوري عــــدد 89 لسنـــة 2014 المــؤرّخ في 22 أفريل 2014 والمتعلق بتعيين أعضاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين،

وعلى مشروع القانون الأساسي عدد 27 لسنة 2017 المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء،

وعلى عريضة الطّعن في مشروع القانون الأساسي عدد 27 لسنة 2017 المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساســـي عــــدد 34 لسنــة 2016 المــؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء التي رفعتها مجموعة من النّواب بمجلس نوّاب الشّعب يمثلها النائب غازي الشّواشي والمرسّمة بكتابـــة الهيئة تحـــت عدد 01/2017 بتاريخ 03 أفريل 2017 وتتضمّن النّواب الآتي ذكرهم : مراد الحمايدي، زياد الأخضر، منجي الرحوي، صبري الدخيل، ابراهيم بنسعيد، عمّار عمروسية، سعاد البيولي، طارق الفتيتي، فتحي الشامخي، محمود القاهري، هيكل بلقاسم، محمد الأمين كحلول، جيلاني الهمامي، أيمن العلوي، مبروك الحريزي، شفيق العيادي، سامية حمودة عبو، غازي الشواشي، نزار عمامي، مباركة عواينية براهمي، فيصل التبيني، عدنان الحاجي، نعمان العش، طارق البراق، عبد المؤمن بلعانس، درّة اليعقوبي، سالم لبيض، نزهة بياوي، صلاح البرقاوي، كمال هراعي، عبد العزيز القطي، نورالدين المرابطي، عبد الرؤوف الماي، زهير المغزاوي، أحمد الخصخوصي، رضا الدلاعي، توفيق الجملي.

وبعد الإطلاع على ما يفيد إعلام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة بترسيم عريضة الطعن المشار إليها ومؤيداتها بكتابة الهيئة،

حيث تضمنت عريضة الطعن ردا على ما اعتبره الطاعنون جدلا في الأوساط القانونية بخصوص أهلية الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بالنظر في ما يمكن أن يثار لديها من طعون بخصوص المبادرة التشريعية المتعلقة بتنقيح وإتمام القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء بسبب الشغور الحاصل في تركيبة الهيئة بعد احالة رئيسها ونائبه الثاني على التقاعد وكذلك بما يمكن أن يواجهه رئيسها الحالي من تجريح في حياده، وقد ذهب الطاعنون إلى أن منطوق الفصل 17 من القانون الأساسي للهيئة يخولها الانتصاب لممارسة مهامها بحضور الأربعة أعضاء المباشرين باعتبار أن الأغلبية بهذا العدد تعتبر متوفرة، ويستند الطاعنون في ذلك الى تغليب النجاعة على الشكلانية المفرطة وهو ما اعتمده المجلس الدستوري الفرنسي في فقه قضائه من خلال قرار QPC 2010-100 الصادر في 11 فيفري 2011، ويتوجه الطاعنون إلى أن مسؤولية عدم سد الشغور بالهيئة تتحمله الحكومة لعدم حرصها على ذلك في الوقت المتعين التقيد به حسب نص الفصل 13 من القانون الأساسي للهيئة ما يجعل أي دفع من جانب الحكومة في هذا الخصوص غير جدي لأن تلكّؤ رئيس الحكومة في إصدار التسميات في المناصب القضائية الشاغرة بناء على الرأي المطابق لهيئة القضاء العدلي هو خطأ من جانبه لا يمكنه الانتفاع به، وبناء عليه يرى الطاعنون أن تركيبة الهيئة على حالتها الحالية لا تمنعها من التعهد والانتصاب للنظر في ما يرفع إليها من طعون.

أما بخصوص إمكانية التجريح في رئيسها الحالي وهو في نفس الوقت الرئيس الأول للمحكمة الإدارية وبصفته تلك هو عضو مباشر بالمجلس الأعلى للقضاء، يرى الطاعنون أن الرقابة القبلية لدستورية مشاريع القوانين تستبعد مثل هذا التجريح كما دأب على ذلك فقه القضاء الدستوري المقارن بسبب طبيعة هذا الطعن لكونه مرتبط برقابة مجردة تتعلق بإبداء الرأي في مسألة موضوعية صرفة ولا تتعلق بدفوعات صادرة عن أطراف متنازعة، وعلى أساس ذلك يطلب الطاعنون من الهيئة الالتئام للنظر في الطعن المقدم من لدنهم ـ بكافة ـ أعضائها المباشرين واجتناب رئيسها التجريح في نفسه استنادا الى فقه قضاء الهيئة ذاتها من خلال القرار عدد 02/2015 بتاريخ 8 جوان 2015 ورفض أيّ طلب تجريح في أحد أعضاء الهيئة لاجتناب إرباك عملها والتأثير في قراراتها.

ومن جهة شكليات الطعن يرى الطاعنون أنّ طعنهم قد استوفى جميع شروطه الشكلية طبقا للفصلين 18 و19 من القانون الأساسي للهيئة وعليه فهو حريّ بالقبول شكلا.

أما من جهة الأصل، يطعن النواب القائمون بالطّعن في:

أولا: عدم دستورية إجراءات المصادقة على القانون: ويذهب الطاعنون إلى أن مراقبة دستورية مشاريع القوانين تمتدّ إلى تفحّص إجراءات المصادقة على مشاريع القوانين من حيث احترام القواعد الدّستورية المتّصلة بسنّها مثلما كرسته الهيئة في قرارها عدد 02/2015، وعلى أساس ذلك يتمسّك الطاعنون بأنّ إجراءات المصادقة على المشروع المطعون فيه قد خالفت أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 93 من الدستور لعدم خضوعه للتّداول بمجلس الوزراء.

وإضافة إلى ما تقدم فإن الطاعنين ينعون على المشروع إحجام مجلس نوّاب الشّعب طلب رأي هيئة القضاء العدلي باعتبار أن هذا النص يندرج في صميم سير العمل القضائي ويتعلق بإصلاح منظومة القضاء العدلي، وبذلك فهو يمنع هذه الهيئة من مواصلة الإضطلاع بجزء من مهامها الدستورية ويستأنسون في ذلك بالفقه القضائي الدستوري المقارن من خلال قرار المجلس الدستوري الفرنسي عدد 122-80 الصادر بتاريخ 22 جويلية 1980 وكذلك بقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 02/2015 الذي أقرّت من خلاله بوجوبيّة هذا الإجراء.

ثانيا: عدم دستورية التّصحيح التشريعي المبطّن : حيث يذهب الطاعنون إلى أنّ المشروع المطعون فيه قدّم بصورة مبطّنة على أساس أنه مجرد تنقيح لأحكام قانونية في حين أنه ليس كذلك وفي ذلك خرق لمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها ومسّ من مقتضيات المحاكمة العادلة ومخالفة إرادة الشعب وسيادة القانون، وقدّم النّواب الطّاعنون ما يرون أنه يفيد في دعم مقولتهم بمخالفة المشروع للدستور من هذا الجانب بما يصيّر مشروع القانون المطعون فيه حريّ بالتصريح بعدم دستوريته لمخالفته جملة من القواعد والمبادئ الدستورية كمبدأ حق الدفاع ومبدأ الأمان القانوني والثقة المشروعة المستمدة من الحق في المحاكمة العادلة وذلك فيما اقتضاه بالخصوص من تحصين قرار الدعوة الى للجلسة الأولى من دعوى تجاوز السلطة، كما يطعن النوّاب القائمون بالطّعن في دستورية الصلاحية المخولة لرئيس مجلس نواب الشعب أو أحد نائبيه المتعلقة بالدعوة لانعقاد الجلسة الأولى لكون ذلك يعد خرقا لمبدأ الفصل بين السلط وحجتهم في ذلك منطوق الفصل 73 فقرة ثانية من القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي يسند هذه الصلاحية إلى رئيس هيئة القضاء العدلي باعتباره أحد أعضاء السلطة القضائية ما يجعل ذلك متناسقا تماما مع الدستور ومبدأ التفريق بين السلط. كما يحتج الطاعنون بأهمية انعقاد الجلسة الأولى وتأثيرها في انتخاب رئيس المجلس ونائبه ما يجعلها لا تكتسي طابعا شكليا ضرورة أن الفصل 113 من الدستور يمتّع المجلس الأعلى للقضاء بالتسيير الذاتي وهو ما يحول دون إقحام أي طرف أجنبي عنه في سير أعماله.

ويضيف الطاعنون أنهم ينعون على المشروع المطعون في دستوريته خرق فصوله مجتمعة لتوطئة الدستور وللفصول 2 و21 و49 و102 منه، حيث أن نص المشروع لم يراع وفق ما يراه الطّاعنون الضّوابط القانونيّة والموضوعيّة ذات المكانة الدستوريّة من خلال مخالفة مقتضيات الكتلة الدستورية التي تمثلها الرّابطة بين توطئة الدستور في فقرته الثانية وفصوله المشار إليها والمدعّمة بالفصلين 145 و146 منه وهي كتلة تتمحور حول واجب احترام المشرّع لمبدأ الأمان القانوني، وبناء على هذا التوجّه يرى الطّاعنون أنّ الدّعوة لعقد أولى جلسات المجلس الأعلى للقضاء في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ دخول القانون المطعون فيه حيّز النّفاذ دون التحقّق من شرط استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء العدلي مخالفة لأحكام الفصل 148 من الدّستور باعتبارها تتجاهل الوجود الدستوري والقانوني لهيئة القضاء العدلي التي يُفترض أن تمارس مهامّها إلى غاية استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وإرسائه.

وفي جانب آخر ينعى الطّاعنون على الفصل الرّابع من المشروع المطعون في دستوريته خرقه لمقتضيات الفصول 20 و102 و108 و109 و116 من الدّستور ذلك أن تحصين قرار الدّعوة الى عقد أولى جلسات المجلس من الطّعن بدعوى تجاوز السّلطة ينطوي على اعتداء صارخ على حقّ التقاضي وحقّ الدّفاع المضمونين بالفصل 108 من الدّستور ويعدّ تدخّلا في سير القضاء كما يتعارض مع وظيفة القضاء في ضمان علوية الدستور وسيادة القانون مخالفا بذلك التحجير الوارد بالفصل 109 من الدّستور، ويرى الطّاعنون أنّ هذا الخرق يشمل الفصلين 20 و116 من الدّستور باعتبار أنّ الدّستور أوكل الى القضاء الإداري ولاية عامّة للنّظر في دعاوى تجاوز السّلطة من قبل الإدارة وكذلك لعلويّة المعاهدات الدّولية على القوانين الدّاخلية التي تكرّس حقّ كلّ فرد في التقاضي بإنصاف وعلانية لدى قضاء مختصّ وحيادي ومستقلّ ومنشأ بالقانون وتكفّل السّلطات بإنفاذ أحكام القضاء وحماية حقوق الإنسان والحريّات العامّة، ويضيف الطّاعنون ما يرونه خرقا لأحكام الفصلين 112 و148 من الدّستور من خلال ما تضمّنته الفقرة الرّابعة المضافة الى الفصل 36 من قانون المجلس – طبق الفصل الأوّل من المشروع- التي تعني امكانية أن تمكّن من انعقاد المجلس بتركيبة لا يوجد بها هيكل قضائيّ أو يتمّ فيها تغييب صنف من الأعضاء ما يعدّ مساس خطير بتركيبة المجلس وبشرعيّة قراراته. وعلى أساس كلّ ما نعاه الطّاعنون على المشروع محلّ الطّعن فإنّهم يطلبون من الهيئة التصريح بعدم دستوريته.

وعلى المكتوب الوارد على الهيئة من رئيس الحكومة بتاريخ 7 أفريل 2017 والمتضمّن ملاحظات الحكومة بخصوص الطّعن المرفوع لدى الهيئة من قبل مجموعة من النّواب بمجلس نوّاب الشعب في دستوريّة مشروع القانون الأساسي عدد 27 لسنة 2017 المنقّح والمتمّم للقانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء،

وعلى المكتوب الوارد على الهيئة من قبل مجموعة من النوّاب بمجلس نوّاب الشّعب بتاريخ 7 أفريل 2017 يمثلها النائب سفيان طوبال وتتضمن النواب الآتي ذكرهم : سفيان طوبال، سناء الصّالحي، محمد الناصر جبيرة، عصام الماطوسي، بدر الدين عبد الكافي، الصّحبي عتيق، نورالدين البحيري، محمد الراشدي، عماد الخميري، صبرين القوبنطيني، حسن العيادي، سهيل العلويني، إسماعيل بن محمود، محمد بنصوف، أسماء بوالهناء، حاتم الفرجاني، عبير عبداللّي ، شاكر العيّادي، محمد عبد اللاّوي، محمد جلال غديرة، عماد أولاجبريل، شكيب باني، الطيب المدني، أنس الحطاب، إبتهاج بن هلال، ابتسام جبابلي، الطاهر بطيخ، لمياء الغربي، حمدي تقية، نجلاء السعداوي، محمد كمال الحمزاوي، هالة عمران، محمد سعيدان، فيصل خليفة، بشير بن عمر، حسام بوننّي، إكرام مولاهي، محمد رمزي خميس، محمد الهادي قديش والمتضمّن تقديم ملاحظات بخصوص الطّعن المقدّم من قبل مجموعة من النّواب بمجلس نوّاب الشعب في مشروع القانون الأساسي عدد 27 لسنة 2017 المنقّح والمتمّم للقانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء وقد تضمّن الرّد الأوّل والرّد الثاني ملاحظات بصيغة واحدة فيما يراه القائمون بهما دحضا للمطاعن المتقدّم بيانها من الجوانب التالية :

أوّلا: فيما يخصّ عدم شرعيّة تعهّد الرّئيس الأوّل للمحكمة الإداريّة بمطلب الطّعن بعدم الدستوريّة ومباشرته للتّحقيق فيه ومساهمته في البتّ فيه والتّجريح فيه: حيث يذهب رئيس الحكومة والنوّاب القائمون بالردّ أنّ الرئيس الأوّل للمحكمة الإداريّة باعتباره نائبا أوّل لرئيس الهيئة لا يمكنه مباشرة مهامّ رئيس الهيئة إثر حصول شغور في منصب هذا الأخير لأكثر من خمسة عشر يوما حسب ما يرونه واضحا في منطوق الفصل 13 من القانون الأساسي للهيئة، وبناء عليه فهو غير مخوّل للتعهّد بمطلب الطّعن بعدم الدستوريّة ومباشرة التحقيق فيه نيابة عن رئيس الهيئة، كما يدفعون بأنّ الرّئيس الأوّل للمحكمة الإداريّة مدعوّ للتّجريح في نفسه لسبق اتّخاذه موقفا من مسألة استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ولكونه أحد أطراف المبادرة التي رمت إلى منع تمرير المبادرة التشريعيّة ورفضه الاستجابة للدّعوة التي وجّهها ثلث أعضاء المجلس الأعلى للقضاء معبّرا بذلك عن موقف من مسألة استكمال التّركيبة ومن تأويل القانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء كما سبق أن جرّح في نفسه في قضايا توقيف تنفيذ قرارات صادرة عن أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء وهو إضافة إلى ذلك عضو بالمجلس الأعلى للقضاء ما يغيب معه الاطمئنان لقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في ظلّ عدم الحياد الذي يحيط برئيسها ولا مناص بالتالي من التجريح فيه.

ثانيا: فيما يخصّ دحض المطاعن المتعلّقة بعدم دستوريّة إجراءات المصادقة على القانون والتّصحيح التشريعي المبطّن : فإنّ رئيس الحكومة والنوّاب القائمون بالردّ يدحضون ما يتعلق بالجانب الأوّل مقولة الطّاعنين بخصوص عدم التّداول في المشروع المطعون فيه بمجلس الوزراء بكون التثبّت من عرض المشروع على مجلس الوزراء يتمّ بالرّجوع إلى محضر الجلسة وليس بالاستناد إلى تصريحات إعلاميّة ما يجعل هذا المطعن مرفوضا لعدم جدّيته.

وبخصوص مخالفة إجراءات المصادقة لمقتضيات الفصل 148 (ثامنا) من الدّستور: فإنّ القائمين بالردّ يدحضون هذا الرّأي بمقولة أن هيئة القضاء العدلي اختفت من المنظومة القانونية بحلول المجلس الأعلى للقضاء مكانها بصورة كليّة لمجرّد تأدية اليمين وهو ما يستحيل معه استشارتها في مضمون المشروع المطعون فيه.

أمّا فيما يتعلّق بالجانب الثّاني والذي يتّصل بعدم دستوريّة التصحيح التشريعي المبطّن فإنّ القائمين بالردّ يدحضون ما ذهب إليه الطّاعنون إستنادا إلى أنّ المشروع المطعون في دستوريته لا صلة له بأيّ تصحيح تشريعي وأن التنقيح التشريعي أملته المصلحة العامة لوجود مأزق حقيقيّ في السّلطة القضائيّة يهدّد تركيز المؤسّسات الدستوريّة والسّلم الاجتماعي، هذا إلى جانب غياب أحكام قضائيّة محرزة على قوّة اتّصال القضاء.

وبخصوص بقيّة المطاعن، يذهب رئيس الحكومة والنّواب القائمون بالرّد إلى أنّ التمسّك بمجرّد الدّعوة لعقد الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للقضاء يتضمّن تدخّلا في سير القضاء هو تعسّف في تأويل مبدأ الفصل بين السّلط حيث أنّ هذا الفصل مثلما يرى ذلك القائمون بالردّ يكون في إطار وحدة الدّولة بدليل أنّ التسميات القضائيّة تكون بأمر رئاسي وتأدية اليمين تتمّ أمام رئيس الجمهورية.

وفي دحضهم لمقولة الطّاعنين بأنّ المشروع المطعون في دستوريّته يخالف توطئة الدستور والفصول 2 و21 و49 و102 منه، يذهب القائمون بالرّد إلى أنّ هذا المشروع لا يتضمّن أيّ تراجع عن الضّمانات التي كفلها الدّستور والمعاهدات الدّولية المصادق عليها والقوانين الأخرى واكتفى ببعض القواعد الإجرائيّة البحتة التي تهدف إلى تجاوز الأزمة التي غرق فيها المجلس الأعلى للقضاء، وبالتّالي فلا مجال لتحميل النّص أكثر ممّا يحتمل، أمّا بخصوص ما أثاره الطّاعنون من خرق الفصلين الثّالث والرّابع من المشروع لمقتضيات الفصل 148 من الدّستور فإنّ القائمين بالرّد يستندون في دحضهم لرأي الطّاعنين إلى عدم إمكانية بقاء هيكلين قائمين يمارسان نفس الاختصاصات حيث أنّ ولاية هيئة القضاء العدلي تعتبر منتهية قانونا منذ الإعلان عن النتائج النهائيّة لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء وفي أقصى الحالات بمجرّد تأدية اليمين التي تمّت يوم 14 ديسمبر 2016.

وفي خصوص ما ذهب إليه الطّاعنون بأنّ الفصل الرّابع من المشروع خرق مقتضيات الفصول 20 و102 و108 و109 و116 من الدستور يرى القائمون بالردّ أنّ سلطة رئيس مجلس النوّاب في الدّعوة الى الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للقضاء للإنعقاد هي سلطة مقيّدة وأنّ لا شيء يحول دون تحصين بعض القرارات من الطّعن بدعوى تجاوز السّلطة وهو ما يوجد له أثر في فقه القضاء الإداري التّونسي والفقه القضائي الدستوري الفرنسي كما توجد سوابق تشريعيّة في نفس المعنى مثل قانون العدالة الانتقالية وقانون الهيئة المستقلّة للانتخابات وقانون المحكمة الدستوريّة.

وفي دفعهم للطّعن المتعلّق بخرق أحكام الفصلين 112 و148 من الدّستور، يذهب رئيس الحكومة والنوّاب القائمون بالردّ إلى أنّ الطّاعنين يخلطون بين التركيبة والنّصاب لكون المشروع المطعون فيه لا يَمسّ بأي شكل تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وإنّما النّصاب الواجب توفّره لصحّة التئام الجلسة، وهو حلّ لا يتعارض مع الدّستور لكونه يأبى تعطّل المؤسّسات ويُحفّز الأعضاء على الحضور، ونصاب الثّلث الوارد في المشروع لا يعدّ بدعة لوجود سوابق تشريعيّة في السّياق ذاته بقانون هيئة القضاء العدلي وبقانون الحقّ في النّفاذ إلى المعلومة وبالمرسوم المتعلّق بمكافحة الفساد وبالفصل 64 من الدّستور فيما يخصّ النّصاب القانوني للأغلبيّة المطلوبة للمصادقة على القوانين العاديّة، وبناء عليه يرى القائمون بالردّ أنّ الدستور والقانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء لم يؤسّسا لأيّة أفضليّة لجهة دون أخرى.

الهيئـة

حيث دفع رئيس الحكومة بأنه عملا بالفصل 13 من القانون المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين فإن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بصفته النائب الأول للرئيس لا يمكنه مواصلة مهام رئاسة الهيئة بعد انقضاء أجل الخمسة عشر يوما من تاريخ الإعلام بالشّغور الحاصل على مستوى رئاسة الهيئة.

وحيث ينص الفصل 13 من قانون الهيئة على أنه عند حصول شغور في رئاسة الهيئة لاستقالة أو تخلّ أو إعفاء أو عجز تام أو وفاة يتولى الرئيس الأول للمحكمة الإدارية رئاسة الهيئة إلى حين تعيين رئيس جديد لمحكمة التعقيب وذلك في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلام بالشّغور.

وحيث ترى الهيئة أن المقصود بذلك أن يتولى الرئيس الأول للمحكمة الإدارية رئاسة الهيئة في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلام بالشغور وليس تعيين رئيس جديد لمحكمة التعقيب في الأجل المذكور وذلك ضمانا لاستمرارية الهيئة وعدم تعطيل قيامها بمهامها إلى حين سدّ الشغور الأمر الذي يغدو معه هذا الدفع في غير طريقه وتعيّن ردّه.

وحيث دفع مقدمو عريضة الطعن فيما يتعلق بالتجريح في أحد الأعضاء بالصفة، وبالتحديد الرئيس الأول للمحكمة الإدارية، بألا وجه للأخذ به في مراقبة قبليّة لدستوريّة مشاريع القوانين، استئناسا بالقضاء الدستوري المقارن، ذلك أن هذه الرّقابة هي رقابة مجردة وموضوعية وليست رقابة مجسّمة مدرجين في هذا الدفع مواقف قضائية مقارنة، ومتمسّكين بسابقة الهيئة الحالية في ردها على التجريح في الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بمناسبة صدور قرارها في القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء عدد 02/2015 بتاريخ 8 جوان 2015،

وبما أن الرّئيس الأوّل للمحكمة الإدارية عضو بالصفة في هذه الهيئة فهو يتمتّع بقرينة الحياد، ويفترض لديه تماما كما هو الحال في التجارب المقارنة التي تتشدّد في قبول التجريح كشأن النظم الألمانية والبلجيكية والفرنسية.

وحيث تضمّن ردّ رئيس الحكومة التجريح في الرّئيس الأول للمحكمة الإدارية وفق الفصل 248 م م م ت في فقرته الخامسة لسبق إعطاء رأي في النوازل التي يباشرها، وقد تبيّن أنه اتخذ موقفا من استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وهو أحد أطراف المبادرة التي رمت إلى تجنب المبادرة التشريعية، وقد سبق له أن جرّح في نفسه بمناسبة قضايا توقيف التنفيذ ذات العلاقة وهو بذلك لا يوفر صفتي الحياد الموضوعي والذاتي.

وحيث ردّا على ذلك، ومع استناد الهيئة إلى موقفها في القرار عدد02/2015 فإنها ترى أن عدم تعهد الرئيس الأول للمحكمة الإدارية شخصيا بالقرارات المذكورة ينهض دعامة لقرينة الحياد لديه، إذ لولا توفر هذه الصفة لأمكنه مباشرة تلك القضايا، كما أن مبادرته التوفيقية لا تعطل الحياد الموضوعي لديه في مباشرة النظر في المطاعن وتجرده في تحليل النصوص الدستورية، لعدم اتخاذه أي موقف شخصي من المشروع موضوع الطعن.

وحيث تقدّم عضو الهيئة سامي الجربي بتجريح تلقائي في نفسه، مردّه أنه كان ينتمي إلى الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي، وقد غادرها مباشرة بعد انتخابات المجلس الأعلى للقضاء حسب قوله، لانتهاء مهامها ولتعهد المجلس الأعلى بصلاحيات التسمية في الخطط القضائية الشاغرة، وأن موقفه هذا يمنعه من أن يتداول في الطعن مع ضمانه للحياد الموضوعي.

وحيث ترى الهيئة قبول هذا التجريح وأنّ موقف السيد سامي الجربي ينأى به عن التحليل الموضوعي للطعن، لاسيما وأن من نقاطه الأساسية تلك التي استندت إلى تأويل الفصل 148 من الدستور في أحكامه الانتقالية، وإلى تمديد صلوحيات الهيئة المذكورة إلى حين استكمال تركيبة المجلس.

وحيث أنه تبعا لذلك فإن الفصل 21 من قانون الهيئة نص على أنّ النصاب الأدنى لانعقادها يشترط وجود أربعة أعضاء، وهو ما يختل بالتجريح المذكور.

وحيث لا يمكن حينئذ انعقاد جلسة الهيئة وتعيّن تمرير القانون على حالته إلى رئيس الجمهورية للتعذر القانوني في النظر في مدى دستوريته.

ولهذه الأسباب، وبعد المداولة

قرّرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين إحالة مشروع القانون الأساسي عدد 27 لسنة 2017 المنقح والمتمم للقانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء على رئيس الجمهورية على حالته هذه لتعذر توفر النّصاب القانوني للبتّ في دستوريته.

وصدر هذا القرار عن الهيئة في جلستها المنعقدة بباردو يــــوم الثلاثاء 11 أفريل 2017 برئاسة السيد عبد السلام المهدي قريصيعة وعضوية السيد سامي الجربي والسيدة ليلى الشيخاوي والسيد لطفي طرشونة

وحرر في تاريخه.

صنف النص:قرار
عدد النص:11
تاريخ النص:2017-04-11
الوزارة / الهيكل:الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين
حالة النص:ساري المفعول
عدد الرائد الرسمي:31
تاريخ الرائد الرسمي:2017-04-18
الصفحة الأولى من الرائد الرسمي:1235 - 1235

لا يوجد نصوص مرتبطة بهذا النص

إعلان هام! إطلاق تصميم جديد لقواعد البيانات القانونية لدى DCAF.

يسرنا أن نُعلن عن إطلاق تصميمنا الجديد لقواعد بياناتنا القانونية كجزء من التزامنا بخدمة مستخدمينا الكرام. يأتي هذا التحديث بتحسينات متعددة، تتضمن واجهة سلسة وسهلة الاستخدام وتحسينات في الوظائف لجعل الوصول إلى المعلومات أمراً سهلاً.

نحن مسرورون لنقدم هذا التحسين الجديد، ونؤكد التزامنا بتقديم أفضل خدمة لكم. نعبر عن شكرنا العميق لثقتكم المستمرة بنا.